فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{والتين والزيتون} هما هذا التين وهذا الزيتون خصَّهُما الله سبحانَهُ من بينِ الثمارِ بالإقسامِ بهما لاختصاصِهما بخواصَّ جليلةٍ فإنَّ التين فاكهةٌ طيبةٌ لا فُضلَ لهُ وغذاءٌ لطيفٌ سريعُ الهضمِ ودواءٌ كثيرُ النفعِ يلينُ الطبعَ ويحللُ البلغمَ ويطهرُ الكليتينِ ويزيلُ ما في المثانةِ من الرملِ ويسمن البدنَ ويفتحُ سددَ الكبد والطِّحالِ.
وروى أبو ذرَ رضيَ الله عنْهُ أنَّه أهدَى للنبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سلٌّ من تينٍ فأكلَ منْهُ وقال لأصحابِه: «كُلوا فلَو قلتُ إن فاكهةً نزلتْ من الجنةِ لقلتُ هذا لأنَّ فاكهةَ الجنَّةِ بلا عجمَ فكلُوهَا فإنَّها تقطعُ البواسيرَ وتنفعُ منَ النِقرسِ».
وعن علي بنِ مُوسى الرِّضَا التين يزيلُ نكهةَ الفمِ ويطولُ الشعرَ وهُوَ أمانٌ منَ الفالجِ وأما الزيتون فهو فاكهةٌ وإدامٌ ودواءٌ ولو لم يكنْ له سِوى اختصاصِه بدهنِ كثيرِ المنافعِ معَ حصولِه في بقاعٍ لا دهنيةَ فيهَا لكَفى به فضلاً وشجرتُه هيَ الشجرةُ المباركةُ المشهودُ لهَا في التنزيلِ.
ومرَّ معاذُ بنُ جبلٍ رضيَ الله عنْهُ بشجرةِ الزيتون فأخذَ منهَا قضيباً واستاكَ بهِ وقال: سمعتُ النبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يقول: «نعمَ السواكُ الزيتون من الشجرةِ المباركةِ يطيبُ الفمَ ويذهبُ بالحفرةِ» وسمعتُه يقول: «هوَ سواكِي وسواكُ الأنبياءِ قبلِي» وقيلَ: هما جبلانِ من الأرضِ المقدسةِ يقال لهما بالسريانيةِ: طُورتينَا وطورزيتَا لأنهمَا منبِتا التين والزيتون وقيل: التين جبالٌ ما بينَ حلوانَ وهمدانَ والزيتون جبالُ الشامِ لأنهمَا منابتَهما كأنه قيلَ: ومنابتِ التين والزيتون وَقال قَتَادةُ: التين الجبلُ الذي عليهِ دمشقُ والزيتون الجبلُ الذي عليهِ بيتُ المقدسِ وقال عكرمةُ وَابنُ زيدِ: التين دمشقُ والزيتون بيتُ المقدسِ وهو اختيارُ الطبريِّ وقال محمدُ بنُ كعبٍ: التين مسجدُ أصحابِ الكهفِ والزيتون مسجدُ إِيْليَا وعن ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهمَا: التين مسجدُ نوحٍ عليهِ السلامُ الذي بناهُ على الجُودِيِّ والزيتون مسجدُ بيتِ المقدسِ وقال الضحَّاكُ: التين المسجدُ الحرامُ والزيتون المسجدُ الأَقْصى، والصحيحُ هُوَ الأولُ قال ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا: هو تينُكُم الذي تأكلونَ وزيتونُكم الذي تعصِرونَ منْهُ الزيتَ وبه قال مجاهدٌ وعكرمةُ وإبراهيمُ النخعيُّ وعطاءٌ وجابرٌ وزيدٌ ومقاتلٌ والكلبيُّ {وَطُورِ سينين} هو الجبلُ الذي ناجَى عليهِ موسى ربَّهُ و{سينين} وسيناءُ علمانِ للموضعِ الذي هُوَ فيهِ ولذلكَ أضيفَ إليهمَا وسينونَ كبيرونَ في جوازِ الإعرابِ بالواوِ والياءِ والإقرار على الياءِ وتحريكِ النونِ بالحركاتِ الإعرابيةِ.
{وهذا البلد الأمين} أيْ الآمنِ من أمنَ الرجلُ أمانةً فهُو أمينٌ وهُوَ مكةُ شرَّفها الله تعَالَى وأمانتُها أنَّها تحفظُ من دخلَها كما يحفظُ الأمين ما يؤتمنُ عليهِ ويجوزُ أنْ يكونَ فعيلاً بمَعْنى مفعولٍ من أمنَهُ لأنَّه مأمونُ الغَوَائلِ كما وصفَ بالآمنِ في قوله تعالَى: {حَرَماً ءامِناً} بمَعْنى ذِي أمنٍ ووجْهُ الإقسامِ بهاتيكَ البقاع المباركةِ المشحونةِ ببركاتِ الدُّنيا والدِّينِ غنيٌّ عن الشَّرحِ والتبيينِ.
{لَقَدْ خلقنا الإنسان} أيْ جنسُ الإنسان {فِى أحسن تقويم} أيْ كائناً في أحسن ما يكونُ من التقويم والتعديلِ صورةً ومَعْنى حيثُ برأه الله تعالَى مستويَ القامةِ متناسبَ الأعضاءِ متصفاً بالحياةِ والعلمِ والقدرةِ والإرادةِ والتكلمِ والسمعِ والبصرِ وغيرِ ذلكَ منَ الصفاتِ التي هيَ مِنْ أنموذجاتٍ منَ الصفاتِ السبحانيةِ وآثارٌ لهَا وقدْ عبرَ بعضُ العلماءِ عنْ ذلكَ بقوله: «خلقَ آدمَ علَى صورتِه» وفي روايةٍ «على صورةِ الرحمن» وبَنَى عليهِ تحقيقَ مَعْنى قوله: (مَنْ عرفَ نفسَهُ فقدْ عرفَ رَبَّه) وقال: إنَّ النفسَ الإنسانيةَ مجردةٌ ليستْ حالّةً في البدنِ ولا خارجةً عنْهُ متعلقةً بهِ تعلقَ التدبيرِ والتصرفِ تستعملُه كيفمَا شاءتْ فإذَا أرادتْ فعلاً من الأفاعيلِ الجُسمانيةِ تلقيهِ إلى مَا في القلبِ منَ الروحِ الحيوانيِّ الذي هُوَ أعدلُ الأرواحِ وأصفاهَا وأقربُها منْهَا وأقواهَا مناسبةً إلى عالمِ المجرداتِ إلقاءً روحانياً وهو يلقيهِ بواسطةِ ما في الشرايينِ منَ الأرواحِ إلى الدماغِ الذي هُو منبتُ الأعصابِ التي فيهَا القُوَى المحركةُ للإنسانِ فعندَ ذلكَ يحركُ منَ الأعضاءِ ما يليقُ بذلكَ الفعلِ من مباديهِ البعيدةِ والقريبةِ فيصدرُ عنْهُ ذلكَ بهذه الطريقةِ فمَنْ عرفَ نفسَهُ على هذه الكيفيةِ من صفاتِها وأفعالِها تسنَّى لهُ أنْ يترقَّى إلى معارجِ معرفةِ ربِّ العزةِ عَزَّ سلطانُهُ ويطلعُ على أنَّه سبحانَهُ منزهٌ عنْ كونِه داخلاً في العالمِ أو خارجاً عنْهُ يفعلُ فيهِ ما يشاءُ ويحكمُ ما يريدُ بواسطةِ ما رتبَهُ فيهِ منَ الملائكةِ الذينَ يستدلُّ على شؤونِهم بما ذكرَ من الأرواحِ والقُوى المرتبةِ في العالمِ الإنسانيِّ الذي هُوَ نسخةٌ للعالمِ الأكبرِ وأنموذجٌ مِنْهُ.
وقوله تعالى: {ثُمَّ رددناه أسفل سافلين} أيْ جعلنَاهُ من أهلِ النَّارِ الذينَ هُم أقبحُ من كُلِّ قبيحٍ وأسفل من كُلِّ سافلٍ لعدمِ جريانِه على موجبِ ما خلقناهُ عليهِ منَ الصفاتِ التي لو عملَ بمقتضاهَا لكانَ في أعْلَى عليينَ وقيلَ: رددناهُ إلى أرذلِ العمرِ وهُو الهرمُ بعدَ الشبابِ والضعفُ بعدَ القوةِ كقوله تعالَى: {وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ في الخلق} وأياً ما كانَ فأسفل سافلين إمَّا حالٌ منَ المفعولِ أيْ رددناهُ حالَ كونِه أسفل سافلين أو صفةٌ لمكانٍ محذوفٍ أيْ رددناهُ مكاناً أسفل سافلين والأولُ أظهرُ وقرئ {أسفل السافلين}.
وقوله تعالَى: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}
على الأولِ استثناءٌ متصلٌ منْ ضميرِ رردناهُ فإنَّه فِي معْنَى الجمعِ وعلى الثاني منقطعٌ أيْ لكنْ الذينَ كانُوا صالحينَ منْ الهَرْمَى {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون} غيرُ منقطعٍ عَلى طاعتِهم وصبرِهم على ابتلاءِ الله تعالَى بالشيخوخةِ والهرمِ وعَلى مقاساةِ المشاقِّ والقيامِ بالعبادةِ على تخاذلِ نهوضِهم أو غيرِ ممنون بهِ عليهمْ وهذِه الجملةُ على الأولِ مقررةٌ لمَا يفيدهُ الاستثناءُ منْ خروجِ المؤمنين عنْ حكمِ الردِّ ومبنيةٌ لكيفيةِ حالِهم والخطابُ في قوله تعالَى: {فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين} للرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أيْ فأيُّ شيءٍ يكذبكَ دلالةً أو نطقاً بالجزاءِ بعدَ ظهورِ هذهِ الدلائلِ الناطقةِ بهِ، وقيلَ: ما بمعنَى منْ، وقيلَ: الخطابُ للإنسانِ على طريقِ الالتفاتِ لتشديدِ التوبيخِ والتبكيتِ أيْ فَما يجعلكَ كاذباً بسببِ الدينِ وأنكارِه بعدَ هذهِ الدلائلِ والمَعنى أنَّ خلقَ الإنسان منْ نطفةٍ وتقويمهُ بشراً سوياً وتحويلَهُ منْ حالٍ إلى حالٍ كمالاً ونُقصاناً من أوضحِ الدلائلِ على قُدرةِ الله عزَّ وجلَّ على البعثِ والجزاءِ فأيُّ شيءٍ يضطركَ بعدَ هَذَا الدليلِ القاطعِ إلى أنْ تكونَ كاذباً بسببِ تكذيبهِ أيُّها الإنسان؟
{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} أي أليسَ الذي فعلَ ما ذكرَ بأحكمِ الحاكمين صنعاً وتدبيراً حتَّى يتوهَم عدمُ الإعادةِ والجزاءِ وحيثُ استحالَ عدمُ كونهِ أحكَمَ الحاكمين تعينَ الإعادةُ والجزاءُ فالجملةُ تقريرٌ لما قبلَها، وقيلَ: الحكمُ بمعْنَى القضاءِ فهي وعيدٌ للكفارِ وأنَّه يحكمُ عليهم بما يستحقونَهُ منَ العذابِ.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنَّه كانَ إذَا قرأها يقول بَلَى وأنَا عَلى ذلكَ منَ الشاهدينَ». اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والتين والزيتون}
وهما مسجدان بالشام، ويقال: هما جبلان بالشام {التين} جبل بيت المقدس {والتين والزيتون} جبل بدمشق وقال قتادة: {التين} الجبل الذي عليه دمشق {والتين والزيتون} الجبل الذي عليه بيت المقدس.
ويقال: {التين} الذي يؤكل.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: تينكم وزيتونكم هذا.
وقال مجاهد: هو الذي يؤكل، وهو قول سعيد بن جبير، والشعبي.
ثم قال: {والزيتون وَطُورِ سينين} يعني: الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى، صلوات الله على نبينا وعليه ويقال: {الطور} اسم الجبل {سينين} يعني: ذا شجر.
ويقال: التين معناه علي بن أبي طالب، رضي الله عنه {والزيتون} فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها، {وَطُورِ سينين} هما الحسن والحسين سيدا الشهداء في دار الدنيا، وهذا لا يصح في اللغة {وهذا البلد الأمين} يعني: مكة أمين من أن يهاج فيها، من دخل فيها.
ويقال: {الأمين} لجميع الحيوان الذي لا يجري عليه القلم.
ثم قال عز وجل: {لَقَدْ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} يعني: في أحسن صورة، لأنه يمشي مستوياً، وليس منكوساً، وله لسان ذلق، ويد وأصابع يقبض بها.
قال بعضهم: نزلت في شأن الوليد بن المغيرة، وقال بعضهم نزلت في كلدة بن أسيد، وقال بعضهم هذا عام.
{ثُمَّ رددناه أسفل سافلين} يعني: رددناه بعد القوة والشباب، والحسن إلى الضعف والهرم، يعني: يصير كالصبي في الحال الأولى، يعني: رددناه إلى أرذل العمر.
ويقال: رددناه.
يعني: الفاجر والكافر بعد موته، إلى أسفل السافلين في النار.
ثم قال عز وجل: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعني: صدقوا بوحدانية الله تعالى، وعملوا الصالحات {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون} يعني: غير منقوص، وذلك أن المؤمن إذا عمل في حالة شبابه، وقوته وحياته، فإذا مرض أو هرم، أو مات، فإنه يكتب له حسناته، كما كان يعمل في حال شبابه وقوته، إلى يوم القيامة ويقال: {غَيْرُ ممنون} يعني: غير مقطوع ويقال: {غَيْرُ ممنون} يعني: لا يُمَنُّ عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ المُؤْمِنُ إذَا مَاتَ، صَعِدَ مَلَكَاهُ إلى السَّمَاءِ، فَيَقولاَنِ: إنَّ عَبْدَكَ فُلاَناً قَدْ مَاتَ، فَأْذَنْ لَنَا حَتَّى نَعْبُدَكَ عَلَى السَّمَاءِ، فَيَقول الله تَعَالَى: إِنَّ سَمَاوَاتِي مَمْلُوْءةٌ بِمَلاَئِكَتِي، وَلَكِنْ اذْهَبَا إلَى قَبْرِهِ، فَاكْتُبَا لَهُ حَسَنَاتِهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَة».
{فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين} يعني: أيها الإنسان ما الذي حملك، بعدما خلقك الله تعالى في أحسن تقويم، حتى كذبت بيوم الدين والقضاء {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} يعني: بأعدل العادلين، يعمل بالعدل مع الكفار، ومع المؤمنين بالفضل.
وقال مقاتل: {فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين} يعني: فما يكذبك أيها الإنسان، بعد بيان الصورة الحسنة، والشباب والهرم بالحساب، لا تغتر في صورتك وشبابك، فهو قادر على أن يبعثك.
ويقال: معنى قوله: {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} [العصر: 3] يعني: لا يحزن ولا يذهب عقله، من كان عالماً عاملاً به.
وروي عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ». والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة التين:
{والتين والزيتون}
قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي: هو تينكم هذا الذي تأكلون، وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا السُني قال: وجدت في كتاب أبي: حدّثنا القاسم بن أبي الحسين الزبيدي قال: حدّثنا سهل بن إبراهيم الواسطي، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدّثني الثقة عن أبي ذر قال: «أُهدي للنبيّ صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: كلوا، ثم قال: لو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت: هذه، لأنّ فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا يوسف بن أحمد أبو يعقوب قال: حدّثنا العباس بن أحمد بن علي قال: حدّثنا معلل بن نقيل الحداني قال: حدّثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن عبد الرحمن بن غنم قال: سافرت مع معاذ بن جبل، فكان يمرّ بشجرة الزيتون فيأخذ منها القضيب فيستاك به ويقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة، يطيّب الفم، ويذهب بالجفر» سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي مسواكي ومسواك الأنبياء قبلي».
وقال كعب الأحبار وقتادة وابن زيد وعبد الرحمن بن غنيم: {التين}: مسجد دمشق، و{الزيتون}: بيت المقدس. عن الضحّاك: هما مسجدان بالشام. عن محمد بن كعب: {التين}: مسجد أصحاب الكهف، و{الزيتون}: مسجد إيليا، ومجازه على هذا التأويل: منابت التين والزيتون. أبو مكين، عن عكرمة: جبلان. عن عطية، عن ابن عباس: {التين}: مسجد نوح الذي بناه على الجودي، و{الزيتون}: بيت المقدس. عن نهشل، عن الضحّاك: {التين}: المسجد الحرام. و{الزيتون}: المسجد الأقصى.
وسمعت محمد بن عبدوس يقول: سمعت محمد بن الحميم يقول: سمعت الفرّاء يقول: سمعت رجلا من أهل الشام وكان صاحب تفسير قال: {التين}: جبال ما بين حلوان إلى همدان، و{الزيتون}: جبال الشام.
{وَطُورِ سينين} يعني جبل موسى، قال عكرمة: السينين: الجسر بلغة الحبشة. الحكم والنضر عنه: كلّ جبل ينبت فهو طور سينين، كما ينبت في السهل كذلك ينبت في الجبل، وعن مجاهد: الطور الجبل، و{سينين}: المبارك.
وعن قتادة: المبارك الحسن.
عن مقاتل: كل جبل فيه شجرة مثمرة فهو سينين وسينا وهو بلغة النبط. عن الكلبي: يعني الجبل المشجر. عن شهر بن حوشب: {التين}: الكوفة، و{الزيتون}: الشام، و{طور سينين} جبل فيه ألوان الأشجار.
قال عبد الله بن عمر: أربعة أجبال مقدّسة بين يدي الله سبحانه، طور تينا وطور زيتا وطور سينا وطور يتمانا، فأما طور تينا فدمشق، وأما طور زيتا فبيت المقدس، وأما طور سينا فهو الذي كان عليه موسى، وأما طور يتمانا فمكة.
أخبرنا أبو سفيان الحسين بن محمد بن عبد الله المقري قال: حدّثنا البغوي ببغداد قال: حدّثنا ابن أبي شيبة قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا وكيع عن أبيه وسفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو قال: سمعت عمر بن الخطاب يقرأ بمكة في المغرب: {والتين والزيتون وطور سيناء}، قال: فظننت أنه إنما يقرؤها ليعلم حرمة البلد.
{وهذا البلد الأمين} الآمن، يعني مكة، وأنشد الفرّاء:
ألم تعلمي يا اسم ويحك أنني ** حلفت يميناً لا أخون أميني

يريد آمني.
{لَقَدْ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل شي منكبّاً على وجهه إلاّ الإنسان.
وقال أبو بكر بن ظاهر: مزيناً بالعقل، مؤدّباً بالأمر، مهذّباً بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أسفل سافلين} يعني إلى أرذل العمر، ينقص عمره ويضعف بدنه ويذهب عقله.
قال ابن عباس: إنّ نفراً ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عذرهم وأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم.
قال عكرمة: لم يضرّ هذا الشيخ الهرم كبره إذا ختم الله تعالى له بأحسن ما كان يعمل.
قال أهل المعاني: السافلون: الضعفى والهرمى والزمنى، فقوله: {أسفل سافلين} نكرة تعمّ الجنس، كما تقول: فلان أكرم قائم، فإذا عرّفت قلت: القائمين.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن مهران قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفراي قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا خالد الزيات قال: حدّثنا داوّد ابو سليمان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمّر بن حزم الأنصاري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالديه، فإن عمل سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم، أمر الله الملكين اللذين معه يحفظانه ويسدّدانه، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله سبحانه من البلايا الثلاث: من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه فيما يحب، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفّعه في أهل بيته، وكان اسمه أسير الله في الأرض، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً، كتب الله سبحانه له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه».
وقال الحسن ومجاهد وقتادة: يعني ثم رددناه إلى النار.
وقال أبو العالية: يعني إلى النار في شر صورة، في صورة خنزير.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن حواس قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي قال: أبواب جهنم بعضها أسفل من بعض، فيبدأ بالأسفل فيُملأ، فهي أسفل السافلين، وفي مصحف عبد الله، {أسفل السافلين} بالألف. ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعني ثم رددناه أسفل سافلين، فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم، فلا تثبت لهم حسنة {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} منهم، فأنه يكتب لهم في حال هرمهم وخرفهم مثل الذي كانوا يعملونه في حال شبابهم وصحتهم وقوّتهم، فذلك قوله سبحانه: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون} قال الضحّاك: أجر بغير عمل، ثم قال: إلزاماً للحجة وتوبيخاً للكافر.
{فَمَا يُكَذِّبُكَ} أيها الإنسان بعد هذه الحجة والبرهان {بالدين} بالحساب والجزاء.
{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} قال قتادة: «بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين». اهـ.